آهِ، وجع يحبو في صدري لينقبَ عن أثارِ قصص ماضيّة تقتلني لنخاع الحقيقة، و لصوتٍ يقعُ في النفس مكانَ الجوهر .
كثيرة أسباب الكتابة حد إنعدامها، هكذا يجتمع الضدان ليكونا صورةً عن نمو العدم، ليكون شيئاً ملموسا، نتذوقه حين نقرأ، نمتعض من الزيادة في ملوحته، و يحبهُ مدمنو الملح . نقرر أنه ممنوع، كمرضى قرر لهم الأطباء قائمة بوجبات ممنوعة، أو لخشيتنا من زيادةٍ في الوزن !
إن الكتابة تشبه إلى حد كبير وجبة غذائية، ربما كانت محببة، وربما كانت غير مرغوبٍ فيها ، لا يوجد حل وسط ، لا يمكن بحال أن يقف أحد الناس في طابور طويل جدا في أحد المطاعم هو لا يفضل طعامهم، إلا لأسبابٍ خارجيّة ! .
دوماً عندما تسير في شوارع أي مدينة لا يمكنك أن تتصور أن سياحها سيأكلون شيئاً واحداً، وكذا الكتابة ، فلا يمكنني أن أجذب جميع القراء لذلك أنا موجود ، ما يجمع عليه الناس هو أقرب للعدم منهُ للوجود ، لأن ما نتفق عليه يذيبنا بالنسق، فلا نصيرُ إلا ذاته .
هل يجب على المطاعم في العالم أن تراعي أذواق كل الناس؟ بالتأكيد إن فعلت ستكون تكون مثالاً حياً للفشل و خيبة الأمل ! . المختلف يبقى ، و أما الصور الكربونية فتتلاشى، ويخبو ضوؤها و إن اشرقت ! .
كل كاتب و أديب ، له خلطته السرية التي لن يتقنها أحد سواه، ستضعهُ علامة فارقة . هل علينا أن نستنسخ نسخاً من نزار قباني، وجبران، و أحلام، و غادة ؟ حينها سنقدم مادةً فارغة، في أكثر الأحوال تصب في وجود هؤلاء الأدباء ، وتضم نتاجهم.
مذ بدأت الكتابة و أنا أسعى في شق طريقي، ولو اخترتُ دربا مُعبدة، وجاهزة للمسير لما استغرق مني ذلك جهداً، فالبذرة وجدت، والنمو آتٍ بعد رعايتها .
عندما كنت صغيراً، كنت ألاعب تصوراتي عن الأشياء، لطالما كانت القصص التي أسمعها غير كاملة، لذا تبتدئ مشاهد و أحداث كثيرة لا حد لها
، مع مرور الوقت نما بداخلي صوت حنون يناديني لأصل لأبعد نقطةٍ وراء الذاكرة، لمنطقة أرسم بها ما أكتب ، ويغيبُ عني كل شيء ما عداها، نتوحد فلا نعاد نعرف أينا يكتب الآخر .
الصقيع المتشبث بقدمي لا يمنعني المسيّر، لا أدري أهذا صوت أسناني التي تصطك، أم هو صوت مفاصليّ المنهكة، أحتاج للتوقف بينما يخبئ هو خلف ظهره موتي ، لم أعد أثق بأحد، لذا ما زلتُ سائرا فيما أنا فيه .
كل هذه الأحوال التي أعيشها، زيادة على سلوكي اليومي ونمط معيشتي ، معرفتي بالناس، ومعرفتهم بي ، كون ما أنا عليّه . سيجعل تغييري له يبدو محض كذبة أمارسها، سيقولُ النقاد أن على الكاتب أن يكون ما يكتبه ليبدع في فهم الجوانب النفسية لشخصياته، لنصوصه التي تولد لتدخل بعراكٍ آخر لتكون ذات صفة مسموعة . هذا ما يجعلني أيضاً ذا قراءة تنمي نطاقات هذا الجانب
الكتابة أيضاً تتحدث عما أعيشه يومياً، بينما لا يشاهدهُ أحد في الواقع، إلا أثراً للحزن على وجهي . وبذلك تصير جزء ملموسا لما أنا عليه، أفبعد هذا أكونُ شتاتاً، أو في شتات !!
ربما كنتُ، لكني أفخر به
ولذا أسعى لأنمي لغتي ، بالتجربة، والقراءة .