فعزة النفس تعني الا رتفاع عن مواضع المهانة , ويقابلها الضعة وهي انحدار النفس في المهانة
فعزيز النفس لا يريق ماء وجهه ولا يبذل عرضه فيما يدنسه فيبقى موفور الكرامة مرتاح الضمير
مرفوع الرأس شامخ العرنين , سالما من ألم الهوان , متحررا من رق ألاهواء ومن ذل الطمع , لا يسر إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه والحق الذي يحمله ويدعو إليه
فغزة النفس من كبر الهمة
(وكبر الهمة يقعد الألسنة عن الانطلاق في مجاري التملق والمداهنة )
ومما ينسب لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب _ رضي الله عنه _ قوله :
أفادتني القناعة كل عـز وهل عـز أعـز من القناعة
فصيرها لنفسك رأس مال وصير بعدها التقوى بضاعة
تحز ربحا وتغنى عن بخيل وتنعم بالجنان بصبر ساعة
ثم إن عزة النفس تلقى على صاحبها مهابة ووقارا في العيون وتحرزله جلالة ومكانة في القلوب وذلك مما تنشرح له صدور العظماء
إنما عيب الرجل في أن يجعل هذه المكانة غايته المنشودة , أو أن يتخذها حبالة لاصطياد مآرب لا يتعداه نفعها ولهذه الخصلة كذلك أثار صالحة في الاجتماع , فإن الأمة التي تشرب في نفوسها العزة يشتد فيها الحرص على أن تكون مستقلة بشؤونها غنية عن أمم من غيرها وتبالغ في الحذر أن تقع في يد من يطعن في نحر كرامتهاولا يستحيي الإ نسانية أن تراه مهتضمنا لحق من حقوقها
ولئن كانت عزة النفس جميلة رائعة فلهي من أهل العلم أجمل وأروع ولئن كانت مرغوبة مطلوبة من كل أحد فلهي من أهل العلم أولى وأحرى فأكرم بمن رفعه العلم فرفع العلم فصار عودا مرا ومكسرا صلبا, لا تلين له في نصرة الحق قناة ولا يفت له عضد يقف للمبطلين موقف الشجى بين الحلق والوريد , فيصارعهم بالحجة ويفلجهم بالبينة وأجدر بذي العلم أن يكون ذا نفس عزيزة زكية وساحة طاهرة نقية حتى لايكون الخلل حائلا بينه وبين هداية الناس
وصفوة المقال في عزة النفس
أنها ترجع إلى معرفة المرء قيمة نفسه فلا يوردها ألا الموارد التي تليق بها فيشعر بكرامة نفسه ويشعرها بما لها من حقوق فلا يسمح لمخلوق كائناُ من كان أن ينال منها مثقال ذرة كما يشعر بما عليه من واجبات فلا يسمح لنفسه أن يعتدي على حقوق الناس مثقال ذرة أيضا.
وهي بمعناها الدقيق أحترم نفسك من غير احتقار لأحد وأن تقف موقفاُ له جانبان : فإن نظرت إلى من هو أعلى منك في المنصب والجاه ونحو ذلك فلا تمكنه أن ينال من نفسك ولو ذرة ولا أن يتعدى حدوده ولو شعرة .
وإذا نظرت إلى من هو أسفل منك فلا تتعدى حدودك وإذا شعرت باستخذائه وذلته فارفع مستواه ما استطعت حتى يصل إلى الحدود .
هذا والحمد لله رب العالمين